بقلم المهندس/ طارق بدراوى
هو تمثال كبير ضخم من حجر الجرانيت تم اعتباره رمز لمصر الحديثة أبدعته يد الفنان المصرى الشهير المثال محمود مختار ويعتبر أهم وأشهر وأعظم أعماله علي الإطلاق وكذلك يعتبر من أعظم التماثيل التي تم نحتها في العصر الحديث وله دلالة خاصة في الإشارة إلي الأحداث السياسية التي مرت بها مصر في نهاية العشر سنوات الثانية من القرن العشرين الماضي وأوائل العشرينيات حيث وقتها كانت مصر تطالب بالاستقلال ورفع الحماية البريطانية عنها بعد نهاية الحرب العالمية الأولي وكانت ثورة الشعب المصرى المجيدة عام 1919م بقيادة سعد زغلول باشا
ويمثل تمثال نهضة مصر فتاة مصرية تقف بجانب أبي الهول وتضع يدها علي رأسه وهي تنظر إلي الأمام كأنها تنظر إلى شئ بعيد فالفتاة رمز لمصر وهي تنظر إلي المستقبل وفي نفس الوقت فهي لا تنسى ماضيها ومتمسكة بجذورها وحضارتها العريقة التي يمثلها أبو الهول وقد جاءت فكرة نحت تمثال يمثل نهضة مصر إلى المقال محمود مختار في نهاية عام 1917م وبدأ خلال عام 1918م وعام 1919م في نحت تمثال كبير يبلغ حجمه نصف حجم التمثال الحالي ولما انتهى من نحته عرضه في معرض الفنون الجميلة عام 1920م وهو معرض كان يقام سنويا في العاصمة الفرنسية باريس في قاعة السراى الكبرى أو الجرائد باليه ونال التمثال إعجاب الرواد والمحكمين من المهتمين بفن النحت وصناعة التماثيل ونال الميدالية الذهبية متفوقا على جميع النحاتين الفرنسيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى وتزامن ذلك مع تواجد الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول باشا في باريس أثناء حضوره مؤتمر الصلح بين الدول التي خاضت الحرب العالمية الأولي من أجل عرض مطالب مصر علي هذا المؤتمر وقام الوفد بزيارة معرض الفنون الجميلة المشار إليه وشاهد أعضاؤه التمثال المصرى ونال إعجابهم وأبرقوا إلي مصر بضرورة إقامة هذا التمثال في القاهرة
وتم عرض الأمر علي مجلس الوزراء والذى كان يترأسه في ذلك الوقت أحمد زيوار باشا فأصدر قرارا يوم 25 يونيو عام 1925م بإقامة تمثال نهضة مصر في ميدان محطة مصر أو باب الحديد والذى أصبح حاليا ميدان رمسيس وتم الإعلان عن عمل اكتتاب لإقامة التمثال وساهمت فئات عريضة من الشعب المصرى في هذا الاكتتاب ثم أكملت الحكومة المصرية باقي نفقات إقامة التمثال وفي يوم 20 مايو عام 1928م وفي عهد الملك فؤاد وعهد وزارة مصطفي النحاس باشا الأولي أقيمت حفلة كبرى في ميدان باب الحديد تم فيها إزاحة الستار عن التمثال والذى ظل بمكانه حتي تم إتخاذ قرار في عام 1955م في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بنقل التمثال إلى مكانه الحالي بالميدان الذى تم تسميته بإسم التمثال ميدان نهضة مصر أمام جامعة القاهرة
والفنان محمود مختار ولد بقرية تسمي طنبارة تابعة لمدينة المحلة الكبرى بمديرية الغربية ووالده كان عمدة تلك القرية ثم إنتقل إلى قرية نشا التابعة لمدينة المنصورة بمديرية الدقهلية ليعيش مع جدته لأمه وكان وهو في سن الطفولة يقضي معظم وقته بجوار ترعة القرية يشكل في الطين مناظر كان يراها حوله في القرية مثل منظر نساء القرية وهن يحملن الجرار ثم إنتقل إلى القاهرة عام 1902م وكان يسكن علي مقربة من حي درب الجماميز الذى تم إفتتاح مدرسة الفنون الجميلة به عام 1908م والتي أنشأها الأمير يوسف كمال حفيد الأمير أحمد رفعت الشقيق الأكبر للخديوى إسماعيل والإبن الأكبر للقائد إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا والذى كان محبا وشغوفا بالفنون فالتحق بها وكان سنه 17 عاما فكان ذلك مدخله إلى مستقبل غير متوقع حيث بدأت تلمع موهبته في فن النحت ونالت أعماله في المدرسة إعجاب أساتذته وعلي رأسهم الفنان الفرنسي الشهير لابلانتي فخصصوا له مكانا خاص به لكي يعد أعماله النحتية من تماثيل ومجسمات وأشكال به وبالطبع لفتت موهبته نظر الأمير يوسف كمال راعي ومؤسس المدرسة واسترعت انتباهه فتعهده بالرعاية وقام بإرساله في بعثة دراسية إلى العاصمة الفرنسية باريس لكي يكمل دراسته هناك علي يد المثال الفرنسي الشهير ميرسييه ومثلما نشأ الفنان والمثال الإيطالي الشهير مايكل أنجلو صاحب تمثالي النبي موسي والنبي داود في رعاية الأمير الفلورنسي لورنزو دى ميدتشي فقد نشأ الغنان والمثال المصرى الكبير محمود مختار في رعاية الأمير يوسف كمال
ومن أبرز إنجازات فناننا الكبير محمود مختار مساهمته في إنشاء مدرسة الفنون الجميلة العليا وكذلك مشاركته في إختيار الموهوبين في فن النحت من أجل ايفادهم في بعثات دراسية بالخارج كما قام بالإشتراك في عدة معارض دولية بالخارج لاقت أعماله التي قام بعرضها بها إعجاب الجميع بالإضافة إلي قيامه بتنظيم معرض خاص بأعماله في باريس في قاعة برنهايم المعروفة في عام 1930م عرض به 40 تمثالا وكان هذا المعرض سببا رئيسيا في التعريف بالمدرسة المصرية الحديثة في الفن وسجلت ميلادها أمام النقاد والمهتمين بفن النحت علي مستوى العالم كله ومن أهم أعماله غير تمثال نهضة مصر تمثالي الزعيم سعد زغلول باشا في كل من القاهرة والإسكندرية وتماثيل الفلاحة وزوجة شيخ البلد وحارس الحقول وحاملات الجرار وابن البلد وكاتمة الأسرار وبنت الشلال والوجه البحرى والوجه القبلي والعميان الثلاثة وقد توفي الفنان محمود مختار عام 1934م وبعد وفاته بذلت جهود مضنية لتجميع أعماله من داخل وخارج مصر وفي عام 1952م تم افتتاح متحف مختار في ملحق خاص بمتحف الفن الحديث بحديقة الحرية بوسط القاهرة كما تم تشييد مقبرة له بالمتحف وتم نقل رفاته إليها تكريما له